اقرأ ايضأ:-
بحضور نخبة من الخبراء والمبدعين، تناولت الندوة قضايا حيوية مثل تأثير المنصات الرقمية، استخدام الذكاء الاصطناعي، وأزمة النصوص الدرامية، مع التركيز على كيفية تحويل الدراما العربية من إطار محلي إلى منافس عالمي. الدراما العربية: قوة محلية بإمكانات عالمية
افتتح النقاش المخرج المغربي هشام الجباري، الذي أكد أن الدراما العربية تمتلك قوة كامنة في تنوعها الثقافي واللغوي والجغرافي. وأشار إلى أن خصوصية الأحياء الشعبية في المسلسلات المغربية تختلف عن نظيراتها في مصر أو سوريا أو دول الخليج، مما يمنح الدراما العربية غنى بصرياً وثقافياً.
لكنه أوضح أن التحدي الأبرز يكمن في محدودية اللغة، حيث إن اللهجات المحلية تجعل الأعمال صعبة التصدير دون ترجمة أو دبلجة احترافية.
كما نوه إلى ضعف التمويل ومحدودية التوزيع والمعالجة المحلية للنصوص كعوائق رئيسية.
واقترح الجباري خمسة محاور لتجاوز هذه التحديات:
- تعزيز الترجمة والدبلجة الاحترافية لتسهيل وصول الأعمال إلى الجمهور العالمي.
- رفع جودة الإنتاج لتتماشى مع المعايير الدولية تقنياً وفنياً.
- التعاون الدولي في الإنتاج والتوزيع.
- خلق قصص ذات طابع كوني تنطلق من الهوية العربية لكن بمعالجة عالمية.
- صناعة نجوم عرب يتجاوز حضورهم الحدود المحلية، مستشهداً بنجاح الدراما الكورية في خلق نجوم عالميين.
ورداً على سؤال حول كيفية الموازنة بين احترام الهوية العربية والوصول إلى الجمهور الدولي، أكد الجباري أن "المعالجة الواقعية للقصص المحلية بعيداً عن الكليشيهات والأحكام المسبقة، مع التركيز على الشخصيات الواقعية، يمكن أن تجذب المشاهد العالمي".
واستشهد بأعمال مثل "ما وراء الطبيعة" و"الرسالة" كنماذج ناجحة وصلت إلى العالمية بفضل جودة النص، الإخراج، والدعاية.
المنصات الرقمية: فرصة وتحدي
قدم الدكتور سفيان عكروت، الأستاذ الجامعي المتخصص في علوم الإعلام، رؤية إحصائية حول تأثير المنصات الرقمية. وأشار إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي بلغ 348 مليون نسمة (70.2% من السكان) وفق إحصاءات أبريل 2025، مع 228 مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي.
وأوضح أن 53% من الشباب العربي يتابعون الدراما عبر المنصات الرقمية بانتظام، بينما 29.5% يتابعونها بشكل دوري، و17.5% لا يتابعونها بسبب ضعف المهارات الرقمية أو الأمية.
وأكد عكروت أن المنصات الرقمية غيرت عادات المشاهدة، حيث تتيح مشاهدة المسلسلات كاملة دون انتظار الحلقات أو فواصل إعلانية، مما يعزز تجربة المشاهد.
لكنه حذر من سلبيات مثل غياب الرقابة الأسرية، خاصة على المراهقين، والإدمان الإلكتروني الذي صنفته منظمة الصحة العالمية كمرض. كما أشار إلى أن المنصات تعتمد على خوارزميات تحلل تفضيلات الجمهور، مما يتيح تخصيص المحتوى ولكنه قد يعزز التوجه نحو مواضيع تجارية على حساب القيمة الفنية.
الذكاء الاصطناعي: تكامل أم إحلال؟
قدمت الدكتورة نسرين عبد العزيز، باحثة في الإعلام والدراما، مداخلة حول دور الذكاء الاصطناعي (AI) في صناعة الدراما. وطرحت سؤالاً محورياً: "هل الذكاء الاصطناعي سيحل محل العنصر البشري أم سيكون مكملاً له؟".
وأكدت أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم حالياً في تحليل تفضيلات الجمهور، كتابة السيناريوهات، المونتاج، الجرافيك، وحتى إنشاء ممثلين رقميين أو استكمال أدوار ممثلين متوفين، كما في مسلسلات مثل "الحشاشين" و"المداح".
ورغم الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، مثل تقنية "de-aging" لتجديد شباب الممثلين (كما في مسلسل "جعفر العمدة")، أشارت إلى تحديات أخلاقية مثل شراء وجوه الممثلين واستخدامها دون موافقة، مما قد يؤدي إلى انتهاكات حقوقية.
وأكدت أن أفضل سيناريو هو التكامل بين الذكاء الاصطناعي والعنصر البشري، حيث يدعم الذكاء الاصطناعي الإبداع دون إلغاء الروح الفنية التي تعتمد على المشاعر. واقترحت وضع دليل أخلاقي لاستخدام الذكاء الاصطناعي وتدريب المبدعين على تطبيقاته.
نقاشات الجمهور: أزمة النص والهوية
شهدت الندوة تفاعلاً كبيراً من الجمهور، حيث أثار أحد الحضور إشكالية أزمة النص في الدراما العربية، مشيراً إلى أن الاعتماد على الاقتباس من أعمال تركية أو لاتينية يعمق الأزمة بدلاً من حلها.
ورد الجباري بأن الدراما المستوردة، مثل التركية، لا تعكس الواقع العربي الغني، ودعا إلى تطوير نصوص عربية أصيلة بمعالجة حديثة.
كما أثار آخرون قضية الهوية العربية، محذرين من محاكاة الأعمال الأجنبية دون مراعاة القيم الثقافية. وأكد صلاح علي القادري، رئيس الإذاعة اليمنية، أن الدراما العربية يجب أن تعكس القيم الإيجابية للإنسان العربي لتصل إلى العالمية.
وطالب محمود بالأحسن، مؤسس مهرجان مكناس للدراما، بالتنسيق العربي المشترك لتشكيل قوة ناعمة درامية.
القضية الفلسطينية: صوت لا يصمت
برزت القضية الفلسطينية كمحور بارز في النقاشات، حيث أشار ممثل الإعلام الفلسطيني إلى استهداف إسرائيل للصحفيين الفلسطينيين، حيث قُتل أكثر من 230 صحفياً خلال العدوان الأخير.
وأكد أن حضور القضية في المهرجان يعكس الإجماع العربي على دعمها، داعياً إلى تعزيز الرواية الفلسطينية عبر الدراما والإعلام.
توصيات للمستقبل
أجمع المتحدثون على ضرورة:
- تطوير النصوص الدرامية بمعالجة عالمية مع الحفاظ على الهوية العربية.
- إنشاء منصات عربية قوية للإنتاج والتوزيع.
- دعم الترجمة والدبلجة لتسهيل التصدير.
- تدريب المبدعين على استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة أخلاقية.
- تشجيع التعاون العربي لإنتاج أعمال مشتركة تتجاوز الحدود المحلية.
مهرجان يعزز الطموح العربي
اختتمت الندوة بتأكيد على أهمية مثل هذه اللقاءات في تعزيز التنسيق العربي وتطوير الدراما. وأشادت الدكتورة أماني فاروق، مدير مركز التدريب في مدينة الإنتاج الإعلامي بمصر، بأهمية تحديث المناهج الأكاديمية لتشمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مؤكدة على ضرورة تدريب الشباب على هذه التقنيات لتحقيق التكامل الفني.
مهرجان الإذاعة والتلفزيون 2025، بأجوائه النابضة ونقاشاته العميقة، عزز الطموح لجعل الدراما العربية لاعباً عالمياً، مع الحفاظ على هويتها الثقافية واستغلال التقنيات الحديثة بذكاء ومسؤولية.