في حوار حصري مع "الرؤية المصرية"، كشف الطاهر عيسى عن رؤيته الفنية، مؤكدًا أن المسرح ليس مجرد خشبة، بل مرآة تعكس وجدان الشعوب.
عبور الزمن وسؤال الحب
رقصة سماء، المستلهمة من طقوس الدراويش، تقدم تجربة مسرحية فريدة تدور على خشبة مستديرة، تجسد العبور بين زمنين: حاضر "هالة" في القرن الحادي والعشرين، وروح "شمس الدين التبريزي" في القرن الثالث عشر. العمل يمزج بين الأصالة الصوفية والقضايا المعاصرة، حيث يطرح أسئلة حول الحب كقيمة إنسانية مهددة بالتلاشي.
من خلال شخصيات مثل "التيبريزي" الذي يُقتل، و"الرومي" الذي يُعزل، والزوجين المنفصلين، يناقش العرض قضايا التطرف الديني، التفكك الأسري، والخوف من الآخر، الذي قد يتحول إلى عنف.
strong>
الطاهر عيسى، في حواره معنا، يقول:
"قضايا الأساسية هي حاجة البشر للحب اليوم، يظهر لي فالشر تخلي فيه ثنية متاع كره، متاع رفض للآخر، متاع خوف من الآخر والخوف من الآخر ينجم يقدي للعنف... تطرف الديني، تطرف الرأي، التفاكك الأسري هذي هما المواضيع اللي يتعرضولهم في العمل متاعنا."
هذه الأسئلة ليست مجرد تأملات فلسفية، بل دعوة للجمهور لمواجهة الواقع وإعادة التفكير في القيم التي تُشكل المجتمع.
جماليات العرض وتحدياته
من الناحية الفنية، يبرز رقصة سماء كعمل طموح يجمع بين الرمزية الصوفية والواقعية الاجتماعية. الخشبة المستديرة، التي صممت لتعكس فكرة العبور بين الأزمنة، خلقت ديناميكية بصرية مدهشة، خاصة مع أداء الممثلين مثل منى نور الدين، هاجر حمودة، وخالد الزيدي، الذين نقلوا الصراعات الداخلية للشخصيات بحساسية عالية.
السينوغرافيا، المستوحاة من الأجواء الصوفية، أضافت عمقًا بصريًا، بينما كانت الموسيقى الصوفية، الممزوجة بإيقاعات معاصرة، جسراً بين الماضي والحاضر.
ومع ذلك، يمكن القول إن العرض عانى أحيانًا من كثافة الرموز، مما قد يصعب على الجمهور غير المطلع على الخلفية الصوفية استيعاب بعض الإحالات. التوازن بين النص المكتوب والحركة الركحية كان جيدًا، لكن هناك لحظات شعرنا فيها أن الإيقاع يتباطأ، ربما بسبب التركيز الزائد على الحوارات الفلسفية على حساب الديناميكية الدرامية.
العرض في سياق المهرجان
مهرجان المسرح والمجتمع، في دورته الرابعة، ركز على تقديم أعمال تناقش قضايا اجتماعية وسياسية معاصرة، مثل التمييز ضد المرأة والصراعات الاجتماعية، كما في مسرحيات مثل آخر مرة لوفاء الطبوبي.
عرض رقصة سماء جاء كتتويج مثالي لهذا المهرجان، ليس فقط لأنه اختتم الفعاليات، بل لأنه جسد روح المهرجان: الجمع بين الفن والمجتمع. العرض، بطابعه الصوفي والإنساني، قدم رؤية مغايرة تتجاوز الحدود المحلية، موجهًا رسالة عالمية عن الحب والتسامح في مواجهة التطرف.
كما أشار الطاهر عيسى في حواره:
"كل عمل هو درجة إلى تجربة أخرى... حتى عمل ما ينتهي."هذه الفلسفة تعكس استمرارية المسرح كحركة حية، وهو ما جعل رقصة سماء ليس مجرد عرض، بل بداية لحوار مستمر مع الجمهور.
العرض، الذي سبق أن حظي بإعجاب في مهرجانات عالمية مثل سان بيترسبرغ وأيام قرطاج المسرحية، أثبت قدرة المسرح التونسي على الحوار مع العالم، حاملًا سحر الأصالة الصوفية وقضايا الحاضر.
الفريق الفني: مزيج من الإبداع والالتزام
المسرحية، من تأليف وإخراج الطاهر عيسى بن العربي، استفادت من خبرته في تقديم أعمال تجمع بين الأصالة والحداثة. الفريق التمثيلي، بقيادة منى نور الدين وهاجر حمودة وخالد الزيدي، قدم أداءً متماسكًا، حيث برزت قدرتهم على التنقل بين الأبعاد التاريخية والمعاصرة للشخصيات.
صوت المسرح الملتزم
رقصة سماء ليست مجرد مسرحية، بل تجربة إنسانية تتحدى الجمهور لمواجهة أسئلته الوجودية. في سياق مهرجان المسرح والمجتمع، كان العرض بمثابة مرآة عكست آمال ومخاوف المجتمع التونسي والعربي.
الطاهر عيسى بن العربي، بموهبته وجرأته الفنية، يؤكد أن المسرح ليس فقط فنًا، بل سلاحًا لمواجهة التطرف والانقسام، ورسالة حب تتجاوز الزمن. كما يقول: "إن شاء الله يعيشك!"، فإن رقصة سماء ستظل تعيش في وجدان الجمهور، كمجنون يرقص على إيقاع الحياة.