من مومباي إلى قلب أمريكا
وُلد نوشير غواديا في مومباي عام 1944، وهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1963. هناك، درس هندسة الطيران، حصل على الجنسية الأمريكية عام 1969، وانضم إلى شركة "نورثروب غرومان"، ثاني أكبر مقاول عسكري في أمريكا. بين عامي 1978 و1986، شارك غواديا في تصميم القاذفة الشبحية "بي-2"، وكان العقل المدبر وراء فوهات المحركات النفاثة التي تجعل الطائرة غير مرئية لأجهزة الاستشعار الحراري. بفضل دوره، لقّب نفسه "أبو" هذه التكنولوجيا السرية.
السقوط والمرارة
انتهى مشوار غواديا مع "نورثروب" عام 1986 بسبب إصابته بمرض دم نادر وإعادة هيكلة الشركة. بعد ذلك، عمل كمقاول مستقل حتى أُلغي تصريحه الأمني عام 1997 بعد خلاف مع وكالة حكومية أمريكية. شعر غواديا بالإهانة والمرارة، خاصة أن إسهاماته في تطوير "بي-2" لم تُقدَّر كما يرى. في نفس الوقت، اشترى فيلا فاخرة في هاواي بـ3.5 مليون دولار، لكن دخله بدأ ينخفض، فبحث عن مصادر مالية جديدة... بطرق غير مشروعة.
الخيانة: أسرار للبيع
بين عامي 2003 و2005، سافر غواديا سرًا إلى الصين بأسماء مستعارة، حيث عرض خبرته في تكنولوجيا التخفي. قدم تصميمات لفوهات صواريخ مجنحة صينية لا تُرصد حراريًا، وساعد في تحليل اختباراتهم وتصحيح عيوبها لتفادي الرصد الأمريكي. تقاضى مقابل ذلك ما لا يقل عن 110 آلاف دولار. لم يكتفِ بالصين، بل باع معلومات سرية عن طائرات مثل "يوروكوبتر تي إتش-98" لألمانيا وإسرائيل وسويسرا.
القبض والحكم
في أكتوبر 2005، داهم مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) منزل غواديا في هاواي، وصادر 226 كيلوغرامًا من الأدلة، تشمل أجهزة كمبيوتر، مخططات، وبريدًا إلكترونيًا. أكدت تحويلات مالية كبيرة الشبهات. اعتُقل غواديا ووُجهت إليه 17 تهمة، منها غسيل الأموال وانتهاك قوانين تصدير الأسلحة. في أغسطس 2010، أُدين بـ14 تهمة، وأقر بذنبه في اعتراف كتب فيه: "ما فعلته هو التجسس والخيانة"، لكنه ادعى لاحقًا أن المعلومات التي باعها كانت علنية. في يناير 2011، حُكم عليه بالسجن 32 عامًا، ومن المتوقع إطلاق سراحه في 2032 إذا بقي على قيد الحياة.
تداعيات الخيانة
في مايو 2025، رصدت الأقمار الصناعية طائرة مسيرة صينية شبيهة بـ"بي-2"، بجناحين يبلغ طولهما 52 مترًا، في قاعدة جوية صينية. يربط خبراء هذه الطائرة، إلى جانب القاذفة الشبحية الصينية "إتش-20" والمقاتلة "جيه-36"، بتسريبات غواديا. يرى البعض أن تفوق أمريكا التكنولوجي تآكل بسبب هذه الخيانة، بينما يعتقد آخرون أن الصين استفادت من "زبدة" الأسرار الأمريكية بثمن بخس.
السخرية الصينية
في النهاية، ربما يكون الصينيون وحدهم من يضحكون، سواء فرحًا بما حصلوا عليه أو سخرية من فكرة أن قوتهم تعتمد فقط على تسريبات كهذه. أما غواديا، فقد تحول من مهندس عبقري إلى رمز للخيانة، تاركًا خلفه درسًا قاسيًا عن الولاء والطمع.