ترامب يدفع لوقف إطلاق النار في غزة: أمل حقيقي أم ضغط سياسي؟

بقلم: عوض سلام

في منشور ليلي على منصته الاجتماعية "تروث سوشيال"، وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نداءً عاجلاً لإسرائيل وحركة حماس لإبرام صفقة في غزة تهدف إلى إعادة الرهائن المختطفين خلال هجوم 7 أكتوبر 2023.

ترامب يدفع لوقف إطلاق النار في غزة: أمل حقيقي أم ضغط سياسي؟

كتب ترامب بحماس: "أبرموا صفقة في غزة، استرجعوا الرهائن!!!"، في محاولة واضحة للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

هذا المنشور، الذي جاء في 29 يونيو 2025، يعكس تصعيدًا في لهجة ترامب، الذي أعرب عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق خلال أسبوع، مستندًا إلى محادثات أجراها مع أطراف معنية. لكن، هل هذا الضغط يمهد لاختراق دبلوماسي، أم أنه مجرد مناورة سياسية؟ 

سياق المنشور ودلالاته 

جاءت دعوة ترامب بعد ساعات من تصريحه للصحفيين في البيت الأبيض بأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة "قريب"، مشيرًا إلى أنه "قد يُبرم خلال الأسبوع المقبل".

هذا التفاؤل يتماشى مع تقارير إعلامية، مثل تلك المنشورة في موقع "واينت" العبري، التي نقلت عن مصادر مقربة من حماس أن مصر تعمل على صياغة مقترح جديد لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، مع توقعات بتقديمه قريبًا.

 المصادر أشارت إلى "مرونة" لدى الأطراف المعنية، مما يوحي بفرصة لتقدم دبلوماسي، رغم غياب اتفاق نهائي حتى الآن. 

 من الجدير بالذكر أن ترامب دعا، للمرة الثانية، إلى إغلاق القضية القانونية المرفوعة ضد نتنياهو في إسرائيل، مشيرًا إلى أن الأخير منهمك في مفاوضات حساسة مع حماس لاستعادة الرهائن.

هذه الدعوة قد تكون محاولة لتعزيز موقف نتنياهو داخليًا، خاصة في ظل الضغوط السياسية التي يواجهها من اليمين المتطرف في ائتلافه الحكومي، الذي يعارض أي تنازلات في المفاوضات.

التحديات أمام الصفقة

على الرغم من التفاؤل الذي يبديه ترامب، فإن التحديات أمام التوصل إلى اتفاق كبيرة.

أولاً، هناك انقسامات واضحة بين إسرائيل وحماس حول شروط وقف إطلاق النار. حماس تتمسك بوقف دائم للعمليات العسكرية وانسحاب إسرائيلي كامل من غزة، بينما تُصر إسرائيل على شروط تضمن تفكيك قدرات حماس العسكرية والحفاظ على سيطرتها الأمنية.

هذا الخلاف أدى إلى انهيار المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في مارس 2025، بعد نجاحها في يناير، مما يعكس هشاشة المفاوضات. 

ثانيًا، الوضع الإنساني في غزة يُضيف طبقة أخرى من التعقيد.

 مع استمرار الحصار الإسرائيلي وحظر دخول المساعدات الإنسانية بعد انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، حذرت الأمم المتحدة من أن نصف مليون فلسطيني يواجهون خطر المجاعة. هذا الوضع يزيد الضغط على حماس لقبول شروط قد تكون غير مواتية، بينما يعزز موقف إسرائيل التفاوضي، بدعم أمريكي غير مشروط.

ثالثًا، هناك عقبات إقليمية. مصر، التي تلعب دور الوسيط الرئيسي إلى جانب قطر، أبدت التزامًا بحل يحافظ على كرامة الفلسطينيين ويمنع تهجيرهم، وهو ما يتعارض مع مقترحات سابقة من ترامب لإعادة توطين سكان غزة في دول مجاورة. كما أن السعودية، التي يُنظر إليها كجزء من أي تسوية إقليمية موسعة، ربطت تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية، وهو شرط يصعب تحقيقه في ظل الرؤية الحالية لإسرائيل.

دوافع ترامب: السلام أم السياسة؟

تصريحات ترامب ومنشوراته على "تروث سوشيال" تعكس أسلوبه المعهود في استخدام لغة قوية ومباشرة لتحقيق أهداف سياسية. من خلال الضغط العلني على نتنياهو وحماس، يسعى ترامب لتصوير نفسه كصانع سلام، وهو ما أكده في خطاباته السابقة، حيث وصف نفسه بـ"الموحد" و"صانع السلام".

هذا النهج يتماشى مع استراتيجيته لتعزيز صورته كقائد حاسم قبل انتخابات مستقبلية، أو لتعزيز إرثه في المنطقة. لكن هناك جانبًا آخر. دعم ترامب غير المشروط لإسرائيل، بما في ذلك تعهده بتزويدها بـ"كل ما تحتاجه" لإنهاء المهمة، يثير تساؤلات حول نواياه.

تصريحاته السابقة عن تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" و"تولي الولايات المتحدة السيطرة" على القطاع أثارت انتقادات واسعة، حيث اعتبرتها الأمم المتحدة ودول عربية بمثابة دعوة لـ"التطهير العرقي". هذه الرؤية، التي تتضمن إعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة، تتعارض مع الجهود الإقليمية، مثل خطة مصر لإعادة إعمار غزة بقيمة 53 مليار دولار دون تهجير. 

التداعيات المحتملة 

إذا تحقق الاتفاق الذي يدعو إليه ترامب، فقد يؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن المتبقين، وهم 59 رهينة، منهم 24 يُعتقد أنهم على قيد الحياة، بما في ذلك المواطن الأمريكي-الإسرائيلي إيدان ألكسندر.

لكنه قد يأتي على حساب تنازلات كبيرة من حماس، مثل نفي قادتها أو تفكيك هياكلها العسكرية، وهو ما قد يُنظر إليه كانتصار لإسرائيل. في المقابل، إذا فشلت المفاوضات، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد عسكري جديد، خاصة مع تهديدات إسرائيل باستئناف العمليات وتوقف المساعدات الإنسانية. 

من منظور إقليمي، قد يعزز الاتفاق مكانة ترامب كوسيط قوي، لكنه يخاطر بإثارة غضب الشعوب العربية إذا أُهملت حقوق الفلسطينيين. 

موقف مصر الرافض للتهجير والتزام السعودية بحل الدولتين يشيران إلى أن أي صفقة تتجاهل هذه المطالب ستواجه مقاومة قوية. 

دعوة ترامب العلنية لإبرام صفقة في غزة تعكس طموحه لتحقيق اختراق دبلوماسي، لكنها تحمل مخاطر كبيرة. بين تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق خلال أسبوع وتهديداته السابقة بـ"جهنم" إذا لم يتم إطلاق الرهائن، يظل السؤال: هل يسعى ترامب للسلام أم لتعزيز نفوذه السياسي؟ الإجابة تعتمد على نتائج المفاوضات التي تقودها مصر وقطر، وعلى استعداد الأطراف لتقديم تنازلات.

في غزة، حيث يعاني الملايين من ويلات الحرب والحصار، يبقى الأمل معلقًا على اتفاق عادل يحفظ كرامة الفلسطينيين ويضمن إطلاق الرهائن. لكن التاريخ يعلمنا أن السلام في المنطقة نادرًا ما يأتي دون ثمن باهظ. 

عوض سلام29 يونيو 2025