اقرأ ايضأ:-
قدّمت الفرقة عرضًا استثنائيًا أعاد الجمهور إلى ذاكرة فنية وجماعية لا تزال نابضة بالحياة، حيث تجمعت أجيال مختلفة، من الكهول الذين عايشوا السنوات الذهبية للفرقة إلى الشباب الذين انجذبوا إلى صدق الفن الغيواني ومعانيه العميقة.
إرث فني متجذر في التربة المغربية
منذ انطلاقتها في أوائل السبعينيات، شكّلت "ناس الغيوان" ظاهرة فنية فريدة، معتمدة على الإيقاعات الشعبية المغربية وآلات موسيقية تحمل روح الذاكرة الجماعية، مثل "السنتير" الإفريقي والإيقاع "الحمدوشي" ذي البعد الصوفي. هذا التداخل بين الإيقاعي والروحي منح العرض نكهة خاصة، حيث بدت كل أغنية كحالة شعائرية تستدعي الماضي وتتفاعل مع قضايا الحاضر، محولة الموسيقى إلى وسيلة للتأمل والارتقاء بالذات الإنسانية.
رحلة عبر الأغاني والمعاني
افتتح العرض بأنشودة "الله يا مولانا"، التي تحمل رمزية صوفية وشعبية تعبر عن الرجاء الإنساني. ثم جاءت "يا بني الإنسان"، التي تخاطب الإنسان بجوهره، داعية إياه لتحمل مسؤوليته الأخلاقية تجاه العالم. وفي "فين غادي بيا خويا"، عبرت الفرقة عن صرخة ضد التهميش والاغتراب، بينما حملت "مهمومة" حسًا مأساويًا يعكس معاناة شعب بأكمله.
لم تغفل الفرقة القضية الفلسطينية، فقدمت "صبرا وشاتيلا"، التي أعادت إحياء ذكرى المذبحة المأساوية، مشيرة إلى الجرح العربي المفتوح في ظل معاناة قطاع غزة المستمرة.
حتى الأغاني ذات الطابع الساخر، مثل "لهمامي" و"لبطانة" و"الصينية"، جاءت محملة بنقد اجتماعي عميق، يكشف عن مرارة الواقع بأسلوب فني راقٍ.
التجديد مع الوفاء للأصل
لم تقتصر الفرقة على إعادة تقديم تراثها، بل أدخلت آلات جديدة كالعود والناي والرق، ما أضاف تنوعًا لحنيًا دون المساس بجوهر التجربة الغيوانية. هذا التوازن بين الأصالة والتجديد عزز حيوية المشروع الفني وقدرته على البقاء عابرًا للأجيال.
تفاعل الجمهور: ذاكرة حية
كان الجمهور جزءًا لا يتجزأ من العرض، حيث ردد الأغاني عن ظهر قلب، في حالة من التفاعل الوجداني العميق. بدا واضحًا أن هذه الألحان ليست مجرد أغانٍ، بل لحظات تأمل واستعادة لقضايا إنسانية واجتماعية لا تزال حاضرة.
تشابه ثقافي مغاربي
كشفت السهرة عن عمق التشابه الثقافي المغاربي، سواء في الإيقاعات الصوفية أو المضامين الاجتماعية. بدت الذاكرة الجماعية موحدة، تحمل القضايا ذاتها رغم اختلاف اللهجات، في تجربة أكدت قدرة الفن الملتزم على الجمع بين الشعوب.
موعد متجدد
يتواصل مهرجان الحمامات الدولي بسهرة الإثنين 28 جويلية، التي شهدت عرض مسرحية "سيدة كركوان" من إخراج وجدي ڨايدي وحسام الساحلي، ليواصل المهرجان تقديم فن ملتزم يعكس الروح الثقافية المغاربية.