هذه الزيارة، التي لم تكن جزءاً من البرنامج الرسمي للمهرجان، جاءت كمبادرة فردية لمجموعة من المشاركين والجمهور، لاستكشاف التراث التاريخي للمنطقة، معززةً رسالة المهرجان في إحياء الخصوصيات الثقافية وربط الفنون بالهوية المحلية.
زاما الأثري: لمحة عن تاريخ حي
زاما، أو "زاما ريجيا"، هي مدينة أثرية تقع في ولاية سيليانة، تشتهر بكونها مسرحاً لمعركة زاما الشهيرة عام 202 ق.م، حيث هزم القائد الروماني سكيبيو الأفريقي القائد القرطاجني هانيبال، منهياً الحرب البونيقية الثانية. يضم الموقع بقايا أثرية تعود إلى العصور القرطاجنية والرومانية، بما في ذلك أنقاض المعابد، الأسواق، والمساكن، التي تعكس تنوع الحضارات التي ازدهرت على هذه الأرض.
موقع زاما، بموقعه الاستراتيجي وسط سهول سيليانة الخصبة، كان مركزاً تجارياً وحضارياً مهماً، مما يجعله اليوم رمزاً للتراث التونسي الغني. أهمية الزيارة في سياق المهرجان
على الرغم من أن زيارة زاما لم تكن جزءاً من الأنشطة الرسمية للمهرجان، إلا أنها جاءت كتجسيد طبيعي لرؤية المهرجان التي أكد عليها صالح فالح، مدير مركز الفنون الدرامية والركحية، والتي تركز على تعزيز الخصوصيات الثقافية وربط الفنون بالبيئة المحلية.
استلهم المشاركون في الزيارة، وهم خليط من الفنانين، الباحثين، وجمهور المهرجان، من تاريخ زاما إلهاماً لفهم قضايا الهوية والانتماء التي طُرحت في عروض المهرجان، مثل "عطيل وبعد"، التي تناولت قضايا العنصرية وقصص الجنوب المنسية.
خلال الزيارة، تجول الحضور بين الأنقاض الأثرية، برفقة مرشدين محليين قدموا شروحات عن أهمية الموقع ودوره في تشكيل الهوية التونسية.
النقاشات التي أعقبت الجولة ركزت على كيفية استلهام الفنون المسرحية من التراث التاريخي لخلق أعمال تعكس تحديات المجتمع المعاصر، مثل التعايش والتضامن، وهي قيم يروج لها المهرجان بقوة.
ماهر النصري، المندوب الجهوي للثقافة بسليانة، كان قد أشار في تصريحه إلى أهمية مثل هذه المبادرات في تعزيز الوعي بالتراث المادي واللامادي، مؤكداً التزام المندوبية بدعم التظاهرات التي تجمع بين الفنون والتراث.
وهكذا، شكلت الزيارة جسراً بين المسرح كأداة تعبير حديثة والتراث كمصدر للإلهام، مما أضاف بعداً ثقافياً عميقاً لتجربة المشاركين.
تجربة ثقافية ممتعة
الزيارة إلى زاما لم تكن مجرد استكشاف أثري، بل كانت تجربة ثقافية غنية. شهدت الجولة لحظات تفاعل إبداعي، حيث قدم بعض الفنانين عروضاً ارتجالية مستوحاة من قصص المعارك والحياة اليومية في زاما القديمة.
كما أتاحت الزيارة للزوار فرصة التأمل في جمال المناظر الطبيعية المحيطة، حيث تحتضن سهول سيليانة الخضراء الموقع الأثري، مضفيةً عليه سحراً يعزز الإحساس بالانتماء إلى هذه الأرض.
زاما والمسرح في حوار الحضارات
كانت زيارة موقع زاما الأثري، المستلهمة من روح مهرجان المسرح والمجتمع بسليانة، تجربة فريدة جمعت بين استكشاف التراث التاريخي والاحتفاء بالإبداع المسرحي.
رغم أنها لم تكن جزءاً من البرنامج الرسمي، إلا أنها عكست التزام المهرجان، بدعم منظميه من مركز الفنون الدرامية والركحية والمندوبية الجهوية، بتعزيز الروابط بين الفنون والمجتمع.
زاما، بأنقاضها وأصدائها التاريخية، لم تكن مجرد محطة أثرية، بل فضاءً حياً ألهم المشاركين للتفكير في الهوية والتاريخ، مؤكدةً أن المسرح والتراث يشكلان معاً صوتاً للإنسانية عبر العصور.