تونس تعيد اكتشاف نفسها ثقافياً: لقاءات إعلامية دورية تفتح أبواب الشفافية والإبداع

الرؤية المصرية- متابعة: عوض سلام:- في قلب مدينة الحمامات الساحرة، حيث يلتقي التاريخ بالفنون في أحضان البحر المتوسط، دشنت وزارة الشؤون الثقافية التونسية خطوة غير مسبوقة من خلال عقد أول لقاء إعلامي دوري يوم الثلاثاء 26 أغسطس 2025، ضمن خطة جديدة تهدف إلى جعل هذه اللقاءات منتظمة ومنتقلة بين مختلف أرجاء تونس على مدار العام.

تونس تعيد اكتشاف نفسها ثقافياً: لقاءات إعلامية دورية تفتح أبواب الشفافية والإبداع

اقرأ ايضأ:-

استضافت دار المتوسط للثقافة والفنون بالمركز الثقافي الدولي هذا الحدث الذي جمع نخبة من المسؤولين الثقافيين مع الصحفيين والإعلاميين، ليرسم ملامح عهد جديد يضع تونس على مسار النهوض الثقافي عبر تعزيز الشفافية، دعم المهرجانات، حماية حقوق المبدعين، وتوسيع الشراكات الدولية.

كان في طليعة الحضور السيدة هند المقراني، المديرة العامة للمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية، إلى جانب السيدة ليليا الورفلي، مديرة إدارة الموسيقى والرقص، والسيد رمزي القرواشي، مدير عام المؤسسة التونسية لحقوق التأليف والحقوق المجاورة، والسيد نجيب الكسراوي، مدير عام المركز الثقافي الدولي بالحمامات، والسيد مهذب القرفي، المندوب الجهوي للشؤون الثقافية ببن عروس. 

هذا اللقاء، الذي يعد الأول في سلسلة لقاءات دورية ستنتقل بين مدن ومواقع ثقافية تونسية مثل مدينة الثقافة والمواقع الأثرية، لم يكن مجرد مناقشة روتينية، بل إعلان عن رؤية طموحة تهدف إلى بناء مشهد فني نابض يجمع بين التراث والحداثة.

أكدت السيدة هند المقراني أن هذه اللقاءات تأتي لمواجهة الشائعات والمعلومات المضللة التي تغزو وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أهمية الحصول على المعلومات من مصادرها الأصلية.

"يؤلمنا كمسؤولين أن تنتشر معلومات خاطئة، لكن أبواب مؤسساتنا مفتوحة دائماً للصحفيين، وهذه اللقاءات الدورية ستكون جسراً للتواصل المباشر في مختلف أنحاء تونس"، قالت، مضيفة أن هذه المبادرة ستتيح للصحفيين فرصة طرح الأسئلة مباشرة، سواء في مواقع ثقافية أو متاحف، لتعزيز الشفافية ودقة المعلومات.

هذا النهج يعكس تحولاً استراتيجياً في السياسة الثقافية التونسية، حيث تسعى الوزارة لتحويل دورها من منظم إلى شريك نشيط في تعزيز الإبداع.

كان مهرجان قرطاج الدولي، في دورته التاسعة والخمسين، محوراً رئيسياً في النقاشات، حيث وصفته المقراني بأنه "نجاح باهر رغم التحديات القياسية". استمر المهرجان لأربعين يوماً، قدم خلالها 19 عرضاً فنياً، مع تخصيص ثمانية عروض للفنانين التونسيين، إلى جانب مشاركات عربية ودولية.

لم يقتصر النجاح على الأرقام – التي أظهرت إيرادات مشجعة وردود فعل إيجابية من الفنانين – بل امتد إلى جهود جماعية شملت فرق الإعلام، الإدارة التقنية، والشراكات مع وزارة البيئة وبلدية قرطاج.

"نشكر كل من ساهم، من السائقين إلى أعوان المراقبة، والأمن الذي ضمن سلامة الجماهير الغفيرة"، أضافت المقراني، مشيرة إلى أن المهرجان أصبح واجهة سياحية وثقافية تعزز التنمية في تونس.

هذا الإنجاز يبرز قدرة الثقافة على تحفيز الاقتصاد، حيث يتسابق الفنانون الدوليون للمشاركة في رقصة قرطاج العريقة، التي جمعت بين الفولكلور متعدد الجنسيات، سهرات السينما، وتكريمات، مثل تلك المخصصة لروح الفنان الراحل فاضل الجزيري.

من جهته، سلط السيد نجيب الكسراوي الضوء على مهرجان الحمامات الدولي، الذي اختتم دورته التاسعة والخمسين بتنوع ثقافي مذهل. شملت البرمجة 36 عرضاً في 33 سهرة، بنسبة 50% مشاركات تونسية، شارك فيها 606 فنان تونسي من موسيقيين وعازفين ومسرحيين. 

 "نجحنا في مخاطبة مختلف الفئات العمرية، خاصة الشباب، مما جدد قاعدة الجماهير"، قال الكسراوي، مشيراً إلى عودة نجوم غائبين وعروض عربية وأفريقية ودولية.

بلغ إجمالي المشاركين 795 فناناً، مع 13 عرضاً ببوابات مغلقة، مما يؤكد القدرة على جذب الجمهور مع الحفاظ على الهوية الثقافية.

مع اقتراب الاحتفال بالستينية، يظل هذا المهرجان مختبراً حياً للفنون، يجمع بين الاكتشاف والتراث، ويعزز الشراكات مع المراكز الثقافية الإسبانية والإيطالية والفرنسية، ليرسخ مكانة تونس كجسر ثقافي متوسطي.

في سياق متصل، تناول السيد رمزي القرواشي قضية حقوق التأليف والحقوق المجاورة، مؤكداً أن المؤسسة التونسية لحقوق التأليف تسعى للاستقلالية المالية بحلول 2028 من خلال تنمية الموارد وتطبيق القوانين.

"نوزع أكثر من 1.3 مليون دينار سنوياً على أكثر من ألفي مبدع، مع منح شهرية لأكثر من 150 فنان"، قال، مشدداً على أهمية احترام التراخيص لاستغلال المصنفات التراثية والعروض الأجنبية.

كما أعلن عن دورة تكوينية دولية للصحفيين في هذا المجال، تشمل مشاركين من أفريقيا والعالم، لتعزيز الوعي بحقوق المبدعين، مما يعزز استدامة القطاع الثقافي.

بدورها، ركزت السيدة ليليا الورفلي على دعم إدارة الموسيقى والرقص للمهرجانات الجهوية، مشيرة إلى توزيع عشرات العروض على مختلف الجهات، بما في ذلك بن عروس.

هذا الدعم يعكس التزاماً بتوزيع الفرص الثقافية عادلياً، ليصل الإبداع إلى كل ركن في تونس، ويحول المهرجانات إلى شبكة وطنية نابضة.

هذا اللقاء، الذي يمثل انطلاقة لسلسلة دورية متجولة، لم يكن مجرد منصة للنقاش، بل دعوة للحوار المفتوح، حيث فتح المسؤولون أبوابهم للأسئلة حول التمويل العمومي، تنظيم العروض، وحقوق المبدعين.

هذه المبادرة ترسم خارطة طريق لنهوض ثقافي يعتمد على الشفافية والشراكة، حيث تعيد تونس اكتشاف تراثها وبناء جسور مع العالم، لتجعل من مهرجاناتها منارات إبداع تجذب السياح والفنانين. 

مع هذه الجهود، تسير تونس بخطى ثابتة نحو عصر ثقافي مزدهر، يجمع بين الذاكرة التاريخية والطموحات المعاصرة، مؤكدة أن الفن ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية تعزز الهوية والتنمية.