تصريحات الجيش الإسرائيلي الأخيرة، التي أعلن فيها رئيس الأركان إيال زامير الاستعداد لمهاجمة أهداف سورية بحجة حماية الدروز، تثير تساؤلات عميقة حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التصعيد.
هل تسعى إسرائيل فعلاً لحماية الأقليات، أم أنها تستخدم هذه الذريعة لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية أوسع؟ يأتي هذا المقال ليعود إلى أصول القضية، ويحلل الأبعاد السياسية والتاريخية لهذا التوجه الإسرائيلي، مع إلقاء الضوء على تداعياته على المنطقة.
اقرأ ايضأ:-
السياق التاريخي: إسرائيل والتدخل في سوريا
لم تكن سوريا يوماً بعيدة عن دائرة الاهتمام الإسرائيلي. منذ احتلال هضبة الجولان عام 1967، ظلت إسرائيل تراقب التطورات السورية عن كثب، مستغلة أي فرصة لإضعاف النظام السوري أو تحجيم نفوذ حلفائه الإقليميين، خاصة إيران وحزب الله.
الهجمات الجوية الإسرائيلية المتكررة على أهداف في سوريا، والتي طالت مواقع عسكرية وأمنية، تُظهر نمطاً واضحاً من التدخل العسكري المباشر تحت مبررات مختلفة، منها "منع نقل الأسلحة" أو "حماية الأمن القومي".
اليوم، تُضاف إلى هذه المبررات ذريعة "حماية الدروز"، وهي ورقة سياسية جديدة تثير الجدل حول نوايا إسرائيل الحقيقية.
التطورات الأخيرة: تصعيد إسرائيلي بحجة حماية الدروز
في بيان رسمي، أعلن الجيش الإسرائيلي أن رئيس الأركان إيال زامير أوعز بالاستعداد لمهاجمة أهداف تابعة للنظام السوري إذا استمر العنف ضد الدروز في مناطق مثل أشرفية صحنايا بريف دمشق.
هذا الإعلان جاء عقب هجوم جوي إسرائيلي استهدف "نشطاء" متهمين بمهاجمة الدروز، وهو ما أكدته وزارة الداخلية السورية، مشيرة إلى سقوط قتيل واحد نتيجة الغارات.
تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس تضيف بعداً سياسياً واضحاً للحدث، حيث أشار إلى أن الهجوم نُفذ بتوجيه من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بهدف "تعطيل خطة متطرفين" لمهاجمة الدروز.
كما حمّل كاتس النظام السوري مسؤولية حماية الدروز، في رسالة تحمل تهديداً مبطناً بالمزيد من التدخلات العسكرية.
الدوافع الإسرائيلية: بين الإنسانية والمصالح الاستراتيجية
على السطح، قد تبدو الحجة الإسرائيلية إنسانية، حيث تسعى لحماية أقلية دينية تواجه تهديدات في منطقة مضطربة. لكن النظرة العميقة تكشف أهدافاً أكثر تعقيداً:
- إضعاف النظام السوري: استهداف مواقع عسكرية وأمنية سورية يندرج ضمن استراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد لتقويض قدرات دمشق العسكرية، خاصة في ظل ضعفها الحالي.
- تعزيز النفوذ الإقليمي: من خلال تقديم نفسها كـ"حامية" للأقليات، تسعى إسرائيل لكسب تأييد بعض الفصائل المحلية في سوريا، مما يعزز نفوذها في المنطقة.
- صرف الانتباه عن الداخل الإسرائيلي: يواجه نتنياهو ضغوطاً داخلية متزايدة بسبب قضايا الفساد والاحتجاجات. التصعيد العسكري قد يكون محاولة لتوحيد الجبهة الداخلية عبر خلق عدو خارجي.
- مواجهة إيران وحزب الله: إسرائيل ترى في أي اضطرابات في سوريا فرصة لضرب البنية التحتية العسكرية لإيران وحلفائها، خاصة في مناطق مثل ريف دمشق القريبة من حدود الجولان.
التداعيات على سوريا والمنطقة
التدخل الإسرائيلي المتصاعد يحمل مخاطر كبيرة:
- زيادة التوترات الإقليمية: قد يدفع هذا التصعيد إيران وحزب الله للرد، مما يوسع دائرة الصراع.
- تفاقم الأزمة الإنسانية: مناشدات الأهالي في صحنايا لفتح ممر إنساني تكشف عن معاناة المدنيين الذين يدفعون ثمن التصعيد العسكري.
- تقويض السيادة السورية: التدخلات الإسرائيلية المستمرة تُضعف سيادة الدولة السورية، وتُعيق أي جهود لإعادة الاستقرار.
الرؤية المصرية: موقف متوازن ودعوة للتهدئة
من وجهة نظر مصرية، فإن التصعيد الإسرائيلي في سوريا يُعد تهديداً للأمن الإقليمي، ويتطلب موقفاً عربياً موحداً يدعو إلى احترام سيادة الدول وضرورة حماية المدنيين.
مصر، بتاريخها الدبلوماسي الحافل، مدعوة للعب دور وساطة لتهدئة التوترات، والضغط من أجل فتح ممرات إنسانية لتخفيف معاناة المدنيين في صحنايا وغيرها. كما يجب على القاهرة التنسيق مع الأطراف الدولية لمنع تحول سوريا إلى ساحة صراع إقليمي مفتوح.
إسرائيل بين المخاطرة والمغامرة
إسرائيل، من خلال تصعيدها في سوريا، تمشي على حبل مشدود. فبينما تسعى لتحقيق مكاسب استراتيجية، فإنها تعرض المنطقة لمخاطر الانزلاق نحو صراع أوسع. الذريعة الإنسانية التي تروج لها إسرائيل لا يمكن أن تخفي الأهداف السياسية والعسكرية الكامنة وراء تدخلاتها.
في هذا السياق، يبقى السؤال: هل ستتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها دون إشعال فتيل صراع إقليمي شامل؟ أم أنها تُغامر باستقرار المنطقة برمتها؟