الرؤية المصرية:- في خطوة قد تعيد رسم خريطة التوازن الإقليمي في أوروبا، أفادت صحيفة "التايمز" البريطانية اليوم السبت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يرى في موقف الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي مجرد "خدعة" لاستدراج صفقة أفضل في التسوية مع روسيا، وفقًا لخطة سلام أمريكية تشمل تنازلات إقليمية مؤلمة.
ومع اقتراب موعد عيد الشكر الأمريكي يوم 27 نوفمبر، يضغط ترامب لإنهاء النزاع الذي يدخل عامه الرابع، محذرًا كييف من أنها "لا تملك أوراقًا رابحة" دون الدعم الغربي، فيما يعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الخطة قد تشكل "أساسًا للحل النهائي".
يأتي هذا التصعيد الدبلوماسي في أسوأ توقيت ممكن لزيلينسكي، الذي يواجه شتاءً قاسيًا يفاقم نقص الطاقة بعد هجمات روسية على البنية التحتية، إلى جانب فضيحة فساد داخلية بقيمة 100 مليون دولار أثارت ثورة سياسية في كييف.
في تصريح لفوكس نيوز يوم الجمعة، أكد ترامب أنه حذر زيلينسكي مباشرة من أن أوكرانيا تعتمد كليًا على المساعدات الأمريكية، مشددًا على أن موقفه لم يتزعزع منذ لقائهما في فبراير الماضي، رغم ضغوط الأوروبيين لتعديل الخطة. "هو يحاول الخداع للحصول على صفقة أفضل، لكنه في موقف ضعيف"، نقلت "التايمز" عن مصادر في البيت الأبيض، مشيرة إلى أن واشنطن تطالب بمرونة روسية مقابل تنازلات أوكرانية.
الخطة الأمريكية، المكونة من 28 نقطة، تُعد وثيقة مثيرة للجدل تم صياغتها بالتعاون مع موسكو، وتتطلب من كييف الاعتراف بضم القرم ودونباس إلى روسيا، مع تقليص قواتها المسلحة إلى 600 ألف جندي ومنع انضمامها إلى الناتو بشكل دائم. مقابل ذلك، تقدم ضمانات أمنية أمريكية تشبه آليات الناتو، مع إمكانية إعادة دمج روسيا في الاقتصاد العالمي إذا التزمت بالشروط.
وفي خطاب تلفزيوني أمس، وصف زيلينسكي الخطة بأنها تضع أوكرانيا أمام خيار "فقدان الكرامة أو فقدان الشريك الرئيسي"، محذرًا من أنها "غير مقبولة ومضحكة"، ومؤكدًا أنه سيقابل ترامب قريبًا للتفاوض. "نحن جاهزون لعمل صريح لتحقيق سلام حقيقي لا يُكسر"، قال زيلينسكي، في إشارة إلى مخاوف من غزو روسي ثالث بعد أسابيع قليلة.
من جانبها، أعربت قادة أوروبيون عن دعمهم الثابت لزيلينسكي، معتبرين الخطة "مائلة نحو موسكو" وتهدد بانهيار الاستقلال الأوكراني. في بيان مشترك، حذرت بروكسل من أن التنازلات الإقليمية ستشكل "نهاية الدولة كما نعرفها"، خاصة مع فشل الغزو الروسي الأولي لكييف قبل أربع سنوات. ومع ذلك، أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن موسكو لم تتلقَ الخطة رسميًا بعد، لكنها "مفتوحة للحوار"، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي "مثالي لروسيا" التي تواصل تقدمها العسكري. وفي خطاب عسكري يوم الجمعة، جدد بوتين التأكيد على استعداد موسكو للتفاوض، داعيًا كييف وحلفاءها إلى "الصحوة من وهم هزيمة روسيا"، مع الإشارة إلى أن الخطة تلبي طلب واشنطن بالمرونة الروسية.
يُشير خبراء إلى أن هذه الديناميكية تعكس تحولًا في سياسة ترامب، الذي يسعى لإنهاء النزاع قبل نهاية الشهر لتحقيق "جائزة فيفا للسلام" المرتقبة في ديسمبر، وسط تهديدات بوقف مشاركة الاستخبارات الأمريكية إذا رفضت كييف.
"الخطة توازن بين السلام والتنازل، لكنها قد تكون كارثية لزيلينسكي داخليًا"، يقول محلل في "الغارديان"، مضيفًا أن الفضيحة الفسادية أضعفت موقف الرئيس الأوكراني أمام البرلمان والشعب.
وفي الوقت نفسه، يرى آخرون في الخطة فرصة لوقف النزيف البشري، مع أكثر من 30 دولة في "التحالف الطوعي" مستعدة لنشر قوات حفظ سلام، لكن الاقتراح الأمريكي يمنع ذلك مؤقتًا.
مع تصاعد الضغوط، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح خدعة زيلينسكي المزعومة في تعديل الخطة، أم ستُجبر أوكرانيا على ابتلاع التنازلات لتجنب عزلة دولية؟ في عالم يتسارع فيه الشتاء والدبلوماسية، قد يكون السلام الروسي الأوكراني أقرب مما يُعتقد، لكنه لن يكون بلا ثمن باهظ.