في مهرجان المسرح والمجتمع بسليانة.."العفرتة": صرخة المسرح الملتزم في وجه النسيان

الرؤية المصرية- تونس- (شمالي غرب) سليانة- متابعة: عوض سلام//

في ليلة من ليالي الدورة الرابعة لمهرجان المسرح والمجتمع بسليانة (27 يونيو 2025)، تحوّل المركب الثقافي إلى ساحة للذاكرة والنضال، حيث قدّمت فرقة شركة مارس للإنتاج مسرحية "العفرتة"، من تأليف نور الدين الهمامي وإخراج يوسف مارس.

في مهرجان المسرح والمجتمع بسليانة.."العفرتة": صرخة المسرح الملتزم في وجه النسيان

اقرأ ايضأ:-

هذا العرض، الذي جمع نخبة من الممثلين منهم نور الدين الهمامي، لطفي الناجح، وجدي حداد، منى الشنوفي، وياسمين الشكيلي، لم يكن مجرد عمل مسرحي، بل كان بمثابة قصيدة ملتزمة، تجمع بين الشعرية والنقد الاجتماعي، لتستعيد ذاكرة اليسار التونسي وتدافع عن الفن الملتزم كصوت للحرية.

"العفرتة" كصوت المقاومة 

"العفرتة"، المستلهمة من الموروث الشعبي التونسي حيث ترمز إلى الثعبان الأسطوري، تتحول في هذا العرض إلى رمز للمناضلين الصادقين الذين واجهوا الديكتاتورية بالكلمة والفن.

النص، الذي كتبه نور الدين الهمامي، يعتمد على بنية درامية تجمع بين الواقعية والرمزية، مستلهماً شخصيات حقيقية مثل جلبار نقاش، الهاشمي الطرودي، والفاضل ساسي، إلى جانب فرق موسيقية ملتزمة مثل أولاد المناجم والحمائم البيض وجيل جيلالة.

هذه الشخصيات ليست مجرد أسماء، بل تمثل ذاكرة حية لنضالات السبعينات والثمانينات، حيث كان الفن سلاحاً ضد القمع.

من الناحية الدراماتورجية، يقسم العرض الصراع إلى محورين: "العفرتة"، ممثلة في شخصيات مثل "سي الكامل" و"علالة"، وهما مناضلان يحملان إرث الفكر اليساري، و"أذيال الإنكودا"، ممثلين في "ناظم" (لطفي الناجح) و"حبيبة" (منى الشنوفي)، اللذين يسعيان للسلطة بأي وسيلة.

هذا التقسيم يعكس صراعاً أزلياً بين الوطنية الصادقة وانتهازية السلطة، وهو صراع يتردد صداه في تاريخ تونس قبل وبعد الثورة. 

 الجيل الثالث، المتمثل في "لبيب" (وجدي حداد) و"شمس" (ياسمين الشكيلي)، يمثل الأمل في استمرارية النضال عبر وسائل العصر الحديث مثل الإنترنت، مما يضفي على العرض بعداً معاصراً يتجاوز الحنين إلى الماضي.

من الناحية الأسلوبية، يبرز استخدام الارتجال كأداة لتقديم الحوارات والحركات، مما يمنح العرض طاقة حية ويجعل الشخصيات أقرب إلى الواقع.

لغة الجسد، تكمل النص المنطوق، حيث يقول: "فاش تعمل...نشطح"، مما يعكس قدرة المسرح  على تجاوز الكلمات إلى الحركة كوسيلة تعبير.

الإضاءة، تخلق أجواء درامية تعزز الصراع، بينما يضيف الصوت بإشراف لطفي معاوية إيقاعاً يعكس نبض الشخصيات المناضلة.

أهمية الفن الملتزم في مهرجان المسرح والمجتمع

"العفرتة" تؤكد على دور المسرح كفضاء للحرية والنقد الاجتماعي، خاصة في سياق مهرجان المسرح والمجتمع بسليانة، الذي يهدف إلى تعزيز الحوار الثقافي ودعم الفنون خارج العاصمة.

العرض يعيد إحياء مفهوم الفن الملتزم، الذي كان سمة بارزة للفرق التونسية في فترات القمع، ويطرح سؤالاً ملحاً: "وين هم الفرق الملتزمة؟"، كما يقول لطفي الناجح في تصريحه الحصري لشبكة الرؤية الإخبارية المصرية. 

هذا السؤال يضع الجمهور أمام مسؤوليته في استعادة الإرث الثقافي المناضل، خاصة في زمن يشهد تراجعاً للخطاب الملتزم لصالح الفوضى الإعلامية. المسرحية، بدعم من وزارة الشؤون الثقافية (رغم تأخر صرف المستحقات كما ذكر الهمامي)، تبرز أهمية المهرجانات الثقافية في إعادة بناء الذاكرة الجماعية وتعزيز الهوية الوطنية.

مهرجان سليانة، بفضل تنوع عروضه مثل "نفس" و"العفرتة"، يصبح منصة للحوار بين الأجيال، حيث يلتقي الفن الملتزم بالجمهور المتعطش للقضايا الكبرى.

تفاعل الجمهور: بين التأمل والحماس

سهرة "العفرتة" شهدت تفاعلاً مميزاً من الجمهور في المركب الثقافي بسليانة. الحضور، الذي ضم أعماراً وخلفيات متنوعة، تفاعل بحماس مع الشخصيات، خاصة لحظات الصراع بين "سي الكامل" و"ناظم"، حيث كانت التصفيقات الحارة تتخللها لحظات تأمل عميقة عند استحضار أسماء المناضلين الحقيقيين.

هذا التفاعل يعكس نجاح العرض في تحقيق هدفه: إعادة إحياء الذاكرة المناضلة وتحفيز الجمهور على التفكير في دورهم تجاه القضايا الوطنية. 

 

كما أشار لطفي الناجح، العرض ليس مجرد "شوكولاتة" تغلف السياسة، بل هو "تكريم للفنانين الملتزمين" مثل الشيخ إمام وفرقة عيون الكلام، مما جعل الجمهور يشعر بأنه جزء من حوار حي مع تاريخه. 

نقاط للتأمل: التحديات والإمكانيات

على الرغم من قوة "العفرتة"، يمكن ملاحظة بعض التحديات. الاعتماد الكبير على الارتجال، رغم أنه أضفى حيوية، قد يجعل النص يفتقر أحياناً إلى الترابط الدر