ومع ذلك، تسعى الحكومة المصرية جاهدة لاستعادة قدرتها الإنتاجية من خلال استراتيجيات طموحة تشمل توقيع اتفاقيات جديدة، تحسين بيئة الاستثمار، وتطوير الحقول الحالية والجديدة، بهدف تلبية الطلب المحلي المتزايد ودعم التنمية الاقتصادية.
مواجهة أزمة الطاقة
خلال الفترة من 2023 إلى 2024، عانت مصر من أزمة طاقة نتيجة تراجع إنتاج الغاز الطبيعي إلى حوالي 4.4 مليار قدم مكعب يوميًا، مقارنة بحاجة السوق المحلية التي تتجاوز 6 مليار قدم مكعب يوميًا، خاصة في ذروة الاستهلاك الصيفي.
لمواجهة هذا العجز، لجأت مصر إلى استيراد الغاز المسال بقيمة تزيد عن 8 مليارات دولار حتى 2026، مع التعاقد على 235 شحنة لتغطية احتياجات محطات الكهرباء والصناعة.
اقرأ ايضأ:-
وفي الوقت ذاته، عملت الحكومة على تعزيز الإنتاج المحلي من خلال استثمارات مكثفة وإصلاحات هيكلية.
اتفاقيات استثمارية وتطوير الحقول
أعلن المركز الإعلامي لمجلس الوزراء عن توقيع وزارة البترول والثروة المعدنية 12 اتفاقية بين يوليو 2024 ومايو 2025، لحفر 43 بئرًا باستثمارات تبلغ 631 مليون دولار، بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية مثل إيني الإيطالية وإكسون موبيل.
ركزت هذه الاتفاقيات على تطوير حقول في مناطق الصحراء الغربية، خليج السويس، والبحر المتوسط، مما ساهم في زيادة الإنتاج بمقدار 193 مليون قدم مكعب يوميًا خلال الفترة من يوليو 2024 إلى يناير 2025.
في الصحراء الغربية، ساهمت إعادة تسعير الغاز في تحفيز الاستثمارات، مما أدى إلى استعادة الإنتاج في حقول مثل خالدة، عجيبة، وبدر الدين، والتي عوضت التناقص الطبيعي في المخزونات.
وفي خليج السويس، نجحت مشروعات حقن المياه في إطالة عمر حقول شركة جابكو، مما قلل من معدلات التناقص الطبيعي للآبار.
أما في البحر المتوسط، فقد شهد حقل ظهر، أكبر حقل غاز في المنطقة، تطورات كبيرة مع وصول سفينة حفر جديدة في يناير 2025، بهدف زيادة الإنتاج بعد انخفاضه إلى 1.9 مليار قدم مكعب يوميًا مقارنة بذروته عند 3 مليارات.
إصلاحات مالية وبيئة استثمارية محسنة
لجذب الاستثمارات الأجنبية، اعتمدت الحكومة سياسات تحفيزية تشمل تسعيرًا مرنًا للغاز، وشروطًا تجارية ميسرة، وسداد مستحقات الشركات الأجنبية التي تراكمت نتيجة أزمة نقص النقد الأجنبي.
فقد خصصت الحكومة 2 مليار دولار لاستيراد الغاز وسداد جزء من الديون المستحقة، التي بلغت أكثر من 6 مليارات دولار بنهاية يونيو 2024.
كما شجعت الشراكات مع شركات عالمية مثل أرامكو السعودية وشيفرون الأمريكية، التي أعلنت عن خطط لتطوير حقول جديدة مثل النرجس، الذي يحتوي على احتياطيات تقدر بـ3 تريليونات قدم مكعب.
آفاق المستقبل
تسعى مصر إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي مجددًا، مع طموحات للعودة إلى تصدير الفائض إلى أوروبا والشرق الأوسط.
اكتشافات جديدة مثل حقل نفرتاري-1 في شمال مراقيا وحقل الفيوم-5 تعزز هذه الطموحات، حيث يتوقع أن تضيف هذه الحقول كميات كبيرة إلى الاحتياطيات الوطنية.
ومع ذلك، يؤكد الخبراء أن تحقيق الاكتفاء الذاتي يتطلب اكتشافات ضخمة مماثلة لحقل ظهر، إلى جانب استثمارات مستمرة في تطوير الحقول الحالية.
في الختام، تمثل جهود مصر لاستعادة إنتاج الغاز الطبيعي نموذجًا للتكامل بين الإصلاحات المالية، الشراكات الدولية، والتكنولوجيا المتقدمة.
مع استمرار العمل على تطوير حقول مثل ظهر والنرجس، وتحسين بيئة الاستثمار، تتجه مصر نحو تعزيز أمنها الطاقي، مما يدعم التنمية الاقتصادية ويقلل الاعتماد على الاستيراد.