الرؤية المصرية:- في خطوة حاسمة تعيد إحياء شبح جريمة التسمم الكيميائي في سالزبري، أعلنت المملكة المتحدة اليوم الخميس فرض عقوبات شاملة على الإدارة الرئيسية للاستخبارات العسكرية الروسية (GRU) بكاملها، بالإضافة إلى 11 فرداً من ضباطها، كرد فعل مباشر على تقرير تحقيق عام يحمّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "مسؤولية أخلاقية" عن وفاة المواطنة البريطانية دون ستردجيس في يوليو 2018، بعد تعرضها لسم "نوفيتشوك" الذي ألقي في زجاجة عطر مهملة كجزء من محاولة اغتيال فاشلة للجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال.
التقرير الذي نشرته لجنة التحقيق العامة، والذي استغرق أكثر من عام وكلف 8.3 مليون جنيه إسترليني، أكد أن عملية التسمم كانت "مخاطرة مذهلة" و"عرضاً عاماً للقوة الروسية"، حيث علم ضباط GRU جيداً بأن السم الموجود في الزجاجة يكفي لقتل آلاف الأشخاص، ومع ذلك ألقوها في مدينة مزدحمة دون أي احتياطات. وقال رئيس الوزراء كير ستارمر في بيان رسمي: "هذه النتائج تذكير قاسٍ بازدراء الكرملين للحياة البريئة"، مشدداً على أن وفاة ستردجيس، الأم الثلاثة أطفال البالغة 44 عاماً، كانت "مأساة غير ضرورية" ناتجة عن "عدوان روسي متهور".
شملت العقوبات تجميداً فورياً لأي أصول مالية تابعة للجهة المستهدفة داخل النظام المالي البريطاني، ومنع دخول الأفراد إلى أراضي المملكة، بالإضافة إلى استدعاء السفير الروسي في لندن لتوضيح الخطوة. ووفقاً لوزارة الخارجية البريطانية، يشمل الـ11 فرداً ثمانية ضباط في الاستخبارات السيبرانية التابعة لـGRU، متهمين بشن هجمات إلكترونية سابقة على يوليا سكريبال (ابنة الجاسوس) قبل خمس سنوات من الحادث، إلى جانب ثلاثة آخرين متورطين في أنشطة عدائية في أوكرانيا وأوروبا، بما في ذلك التخطيط لهجوم إرهابي على سوبرماركت أوكرانية يستهدف مدنيين أبرياء.
تعود جذور الحادث إلى مارس 2018، عندما قام ضباط GRU المزعومون ألكسندر بيتروف وروسلان بوشيروف وسيرجي فييدوتوف بتلطيخ مقبض باب منزل سكريبال في سالزبري بـ"نوفيتشوك"، السم العصبي الذي طورته روسيا مخالفة لاتفاقية الأسلحة الكيميائية. نجا سكريبال وابنته من الموت بعد علاج مكثف، لكن شريك ستردجيس تشارلي راولي – الذي عثر على الزجاجة أثناء التفتيش في القمامة – وستردجيس نفسها أصيبا بتسمم شديد، مما أدى إلى وفاتها بعد أيام. ورفضت روسيا أي تورط رسمياً، مدعية أن الضباط كانوا مجرد سياح زاروا كاتدرائية سالزبري، وصف التحقيق هذه الرواية بأنها "غير موثوقة تماماً".
أعربت عائلة ستردجيس عن ألمها في بيان: "دون كانت ضحية بريئة تماماً، قتلت بنوفيتشوك نتيجة محاولة روسية قاسية ومستفزة لاغتيال سكريبال"، مطالبة بمزيد من الشفافية من الخدمات الأمنية البريطانية. كما أشادت وزيرة الداخلية شابانا محمود بالتقرير، قائلة إن استخدام النوفيتشوك كان "هجوماً على البلاد وقيمنا"، وأكدت أن هذه العقوبات جزء من استراتيجية أوسع لمواجهة "الأنشطة الهجينة الروسية" التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار في أوروبا وأوكرانيا.
مع تصاعد التوترات الغربية-الروسية، تُعد هذه العقوبات إشارة قوية من لندن بأن جرائم الماضي لن تمر دون حساب، خاصة في ظل الحرب المستمرة في أوكرانيا. هل ستدفع هذه الخطوة موسكو نحو حوار، أم ستعمق الصدع الذي يهدد الأمن العالمي؟ الإجابة تكمن في الخطوات التالية للكرملين.