اقرأ ايضأ:-
في ظل الواقع المأساوي الذي يعيشه السوريون، يجد الكثيرون أنفسهم مضطرين لتقديم الأمان والطعام على المواقف السياسية التقليدية، مما يعكس تحولاً ملحوظاً في الوعي الشعبي.
المحلل السياسي السوري فراس خليل أشار في حديثه لـ"RT" إلى وجود لقاءات مباشرة وغير مباشرة بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين، تهدف إلى منع التصعيد نحو حرب شاملة، خاصة مع استمرار الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية قبل وبعد سقوط نظام بشار الأسد.
وأكد خليل أن دمشق لن تدخل في مفاوضات نهائية حول "اتفاقيات أبراهام" دون التزام إسرائيلي بالانسحاب من الأراضي السورية المحتلة بعد 2011، ووقف الاعتداءات الجوية والبرية، والتوصل إلى ترتيبات أمنية مشتركة.
وشدد على أن الجولان السوري المحتل يبقى خطاً أحمر، مع إمكانية التفاوض على حلول مثل استئجار إسرائيل للجولان مع الحفاظ على سيادته السورية، رافضاً فكرة مقايضته بأراضٍ لبنانية.
من جانبه، يرى الشيخ محمد، إمام جامع، أن الرئيس أحمد الشرع يسعى لمصلحة سوريا بحكمة، مستلهماً "صلح الحديبية" كنموذج للتفاوض مع إسرائيل، بهدف استعادة الأراضي المحتلة وتحقيق الاستقرار.
وأكد أن أي اتفاق سلام يجب أن يتماشى مع الشريعة ويخدم المصالح السورية. في المقابل، يرى الصناعي خالد العمر من حلب أن الشعب السوري، المنهك من الحرب، يحتاج إلى السلام حتى لو اقتضى ذلك تنازلات مؤقتة بشأن الجولان، مشيراً إلى أن الانفتاح الاقتصادي قد يفتح آفاقاً جديدة لسوريا، بعيداً عن العقوبات الدولية التي فرضت بسبب تمسكها بـ"محور الممانعة".
لكن هذا التوجه يواجه معارضة قوية. المحامي فريد حمدان من السويداء هاجم حكومة الشرع، متهماً إياها بالتضليل وتسليم أرشيف الجيش والمخابرات السورية لإسرائيل دون مقابل، معتبراً أن هذه التنازلات تخدم بقاء الحكومة في السلطة على حساب المصالح الوطنية.
وأشار إلى أن سردية "هيئة تحرير الشام" عن بيع الجولان تناقض تصرفاتها الحالية التي تُظهر انفتاحاً على إسرائيل.
خالد سلوم، رئيس منظمة جذور في السويداء، أكد أن أغلبية سكان المحافظة، وهم من الدروز، ترفض التطبيع مع إسرائيل، معتبرينه موقفاً مبدئياً مرتبطاً بدعم القضية الفلسطينية.
وأشار إلى أن أي علاقة مع إسرائيل يجب أن تكون تحت رعاية الدولة السورية وبما يضمن حل عادل للفلسطينيين، مع وجود آراء فردية نادرة تدعو للانفتاح بسبب الظروف الاقتصادية أو الرغبة في التواصل مع أقرباء في الجولان.
المفكر الكردي أزدشير، من مناطق "قوات سوريا الديمقراطية"، انتقد ازدواجية موقف دمشق التي تتهم الأكراد بالتعاون مع إسرائيل بينما تسعى هي للتطبيع.
ودعا إلى عقد اجتماعي جديد يضم كل السوريين لاتخاذ قرار موحد بشأن العلاقة مع إسرائيل. في المقابل، أعرب الطبيب حسام من الساحل السوري عن تمسك العلويين بوصف إسرائيل بـ"الكيان الغاصب"، متسائلاً عن جدوى القطيعة في ظل قبول شرائح واسعة من السوريين بقيادة الشرع التي تروج للتطبيع.
الأستاذ عباس، مدرس تاريخ متقاعد، استبعد إمكانية السلام مع إسرائيل، مستنداً إلى تاريخها الذي يظهر تعالياً واستغلالاً لضعف الجيوش العربية.
واعتبر المهندس خليل أن التطبيع خيانة لدماء الشهداء، مطالباً حكومة الشرع بالشفافية وإجراء استفتاء شعبي بعد انتخاب سلطة شرعية لتحديد موقف السوريين من التطبيع، مؤكداً أن الشعب السوري لا يزال متمسكاً بدعم فلسطين.
هذا الجدل يعكس انقساماً عميقاً في المجتمع السوري، بين من يرى في التطبيع ضرورة واقعية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والأمني، ومن يتمسك بموقف مبدئي يرفض الاعتراف بإسرائيل كدولة احتلال، في ظل ظروف معقدة تجعل الحلول المثالية بعيدة المنال.